إن رحلة الأمومة هي رحلة تحولية، فهي تجلب فرحة هائلة وتغييرات عميقة لجسمك. بعد الولادة، تتوق العديد من الأمهات الجدد إلى استعادة مستويات اللياقة البدنية التي كن يتمتعن بها قبل الحمل. ومع ذلك، من الأهمية بمكان التعامل مع التمارين الرياضية بعد الولادة بالصبر والتفهم والتركيز على التعافي اللطيف. يوفر هذا الدليل خريطة طريق شاملة للعودة إلى ممارسة التمارين الرياضية بأمان وفعالية، مع إعطاء الأولوية لرفاهيتك وصحتك على المدى الطويل.
فهم التعافي بعد الولادة
تعتبر فترة ما بعد الولادة، والتي تُعرف عادةً بأنها الأسابيع الستة إلى الثمانية الأولى بعد الولادة، فترة شفاء وتكيف كبيرة. يخضع جسمك لتحولات هرمونية وإصلاح الأنسجة والتكيف العاطفي. قد يؤدي التسرع في ممارسة التمارين الرياضية المكثفة إلى إعاقة التعافي وزيادة خطر الإصابة.
خلال هذه الفترة، أعطِ الأولوية للراحة والتغذية والحركة الخفيفة. استمع إلى إشارات جسمك وتجنب إرهاق نفسك بشكل مفرط وفي وقت مبكر جدًا. من الضروري استشارة مقدم الرعاية الصحية الخاص بك قبل البدء في أي برنامج تمرين.
اعتبارات رئيسية قبل البدء في ممارسة التمارين الرياضية
قبل ربط حذائك الرياضي، ضع العوامل المهمة التالية في اعتبارك:
- الموافقة الطبية: احصلي على الموافقة من طبيبك أو القابلة. حيث يستطيعان تقييم تعافيك الفردي وتقديم المشورة بشأن الأنشطة المناسبة.
- نوع الولادة: يختلف وقت التعافي حسب ما إذا كانت الولادة مهبلية أم قيصرية. تتطلب الولادة القيصرية عادةً فترة تعافي أطول.
- انفتاق عضلات البطن المستقيمة: تحقق من انفتاق عضلات البطن المستقيمة، وهي حالة شائعة حيث تنفصل عضلات البطن أثناء الحمل. يمكن أن تساعد التمارين المحددة في سد الفجوة.
- صحة قاع الحوض: يمكن أن يؤدي الحمل والولادة إلى إضعاف عضلات قاع الحوض. ركزي على تقوية هذه العضلات من خلال تمارين كيجل.
- استمع إلى جسدك: انتبه لأي ألم أو انزعاج أو نزيف. توقف عن ممارسة الرياضة واستشر طبيبك إذا شعرت بأي أعراض مقلقة.
الأسابيع القليلة الأولى: الحركة اللطيفة والتعافي
يجب أن تركز الأسابيع الأولى بعد الولادة على الحركة اللطيفة وتعزيز الشفاء. تجنبي الأنشطة الشاقة وأعطي الأولوية للراحة. يمكن أن تكون هذه الأنشطة مفيدة:
- المشي: ابدأ بالمشي لمسافات قصيرة وهادئة ثم قم بزيادة مدتها وكثافتها تدريجيًا.
- تمارين قاع الحوض (كيجل): قم بتقوية عضلات قاع الحوض عن طريق شدها واسترخائها.
- تمارين التنفس العميق: تعزز الاسترخاء وتحسن مشاركة الجسم.
- التمدد اللطيف: تخفيف توتر العضلات وتحسين المرونة.
تذكر أن تحافظ على ترطيب جسمك وتغذيته بالأطعمة الصحية. فالراحة الكافية ضرورية للتعافي ومستويات الطاقة.
إعادة بناء القوة: التقدم التدريجي
مع شعورك بالقوة، ابدأ تدريجيًا في ممارسة تمارين أكثر تحديًا. ركز على إعادة بناء قوة الجذع، وتحسين الوضعية، وزيادة اللياقة البدنية بشكل عام. إليك تقدم مقترح:
- الأسبوع 6-8: استمر في المشي وتمارين قاع الحوض والتمدد اللطيف. أضف تمارين خفيفة لوزن الجسم مثل القرفصاء والقفز (إذا كان مريحًا) والألواح المعدلة.
- الأسبوع 8-12: قم بزيادة شدة ومدة التدريبات. ابدأ في ممارسة التمارين التي تستهدف مجموعات عضلية معينة، مثل جسر الألوية، والصفوف، وثني العضلة ذات الرأسين باستخدام أوزان خفيفة.
- بعد 12 أسبوعًا: عودي تدريجيًا إلى روتين التمارين الرياضية الذي كنت تمارسينه قبل الحمل، إذا رغبت في ذلك. استمعي إلى جسدك واضبطي تمارينك الرياضية حسب الحاجة. فكري في استشارة مدرب شخصي متخصص في اللياقة البدنية بعد الولادة للحصول على إرشادات شخصية.
التمارين التي يجب تجنبها (أو تعديلها) في البداية
قد تؤدي بعض التمارين إلى تفاقم مشاكل ما بعد الولادة ويجب تجنبها أو تعديلها حتى يتعافى جسمك تمامًا:
- الأنشطة ذات التأثير العالي: الجري والقفز والأنشطة الأخرى ذات التأثير العالي يمكن أن تضع ضغطًا على قاع الحوض والمفاصل.
- تمارين شد البطن والجلوس: يمكن أن تؤدي هذه التمارين إلى تفاقم انبساط عضلات البطن المستقيمة. ركز على تمارين تقوية الجذع التي تنشط عضلات البطن العميقة.
- رفع الأشياء الثقيلة: تجنبي رفع الأوزان الثقيلة، خاصة إذا خضعت لعملية قيصرية.
- تمارين البطن المكثفة: يجب تجنب التمارين التي تضع ضغطًا مفرطًا على عضلات البطن.
إذا كنت غير متأكدة من مدى أمان ممارسة التمارين الرياضية، فاستشيري معالجًا طبيعيًا أو مدربًا معتمدًا للياقة البدنية بعد الولادة.
معالجة انبساط العضلات المستقيمة
انفتاق العضلات المستقيمة هو حالة شائعة حيث تنفصل عضلات البطن أثناء الحمل. للتحقق من انفتاق العضلات المستقيمة:
- استلقي على ظهرك مع ثني ركبتيك وقدميك مسطحتين على الأرض.
- ضع أصابعك فوق زر بطنك مباشرة، بحيث تشير إلى أصابع قدميك.
- ارفع رأسك وكتفيك بلطف عن الأرض، كما لو كنت تقوم بتمارين البطن.
- اشعر بوجود فجوة بين عضلات بطنك.
إذا كانت الفجوة لديك أوسع من عرض إصبعين، فمن المحتمل أنك تعاني من انبساط العضلات المستقيمة. يمكن أن تساعد التمارين المحددة في سد الفجوة. وتشمل هذه:
- تنشيط العضلة المستعرضة للبطن (TA): اسحب زر بطنك نحو عمودك الفقري، مع إشراك عضلات البطن العميقة.
- انزلاق الكعب: استلقِ على ظهرك مع ثني ركبتيك. حرك كعبًا واحدًا ببطء بعيدًا عن جسمك، مع الحفاظ على شد عضلات جذعك.
- إمالة الحوض: استلقي على ظهرك مع ثني ركبتيك. أمِل حوضك بلطف للأمام والخلف، مع إشراك عضلاتك الأساسية.
تجنبي التمارين التي تزيد من انتفاخ البطن أو تضع ضغطًا مفرطًا على عضلات البطن. يمكن لمعالج فيزيائي متخصص في إعادة التأهيل بعد الولادة أن يقدم لك إرشادات شخصية.
إعطاء الأولوية لصحة قاع الحوض
تدعم عضلات قاع الحوض المثانة والرحم والأمعاء. يمكن أن يؤدي الحمل والولادة إلى إضعاف هذه العضلات، مما يؤدي إلى سلس البول أو تدلي أعضاء الحوض. يعد تقوية عضلات قاع الحوض أمرًا ضروريًا للتعافي بعد الولادة.
تمارين كيجل هي حجر الأساس لتقوية قاع الحوض. لأداء تمارين كيجل:
- قم بتحديد عضلات قاع الحوض لديك عن طريق إيقاف تدفق البول في منتصفه.
- قم بشد هذه العضلات كما لو كنت تحاول إيقاف تدفق البول.
- استمر في الانقباض لعدة ثوانٍ، ثم استرخِ.
- كرر هذا التمرين عدة مرات في اليوم.
يعد الاتساق أمرًا أساسيًا لتحسين قوة قاع الحوض. يمكنك أداء تمارين كيجل بشكل سري في أي وقت وفي أي مكان.
التغذية والترطيب
التغذية السليمة والترطيب أمران مهمان للتعافي بعد الولادة والحفاظ على مستويات الطاقة. ركزي على تناول نظام غذائي متوازن غني بالفواكه والخضروات والبروتين الخالي من الدهون والحبوب الكاملة. حافظي على ترطيب جسمك بشرب الكثير من الماء طوال اليوم.
إذا كنت ترضعين طفلك رضاعة طبيعية، فستكون احتياجاتك الغذائية أكبر. استشيري أخصائية تغذية معتمدة أو مستشارة رضاعة طبيعية للحصول على نصائح شخصية.
استمع إلى جسدك واطلب الدعم
تعتبر فترة ما بعد الولادة فترة تغيير وتعديل كبيرة. تحلي بالصبر مع نفسك واستمعي إلى إشارات جسدك. لا تترددي في طلب الدعم من شريكك أو عائلتك أو أصدقائك أو مقدمي الرعاية الصحية.
إن الانضمام إلى مجموعة دعم ما بعد الولادة قد يوفر لك دعمًا عاطفيًا قيمًا ويساعدك على التواصل مع أمهات جدد أخريات. تذكري أنك لست وحدك.
الصحة العقلية
الاكتئاب والقلق بعد الولادة من الأمور الشائعة. انتبهي لصحتك العقلية. إذا كنت تشعرين بالإرهاق أو الحزن أو القلق لأكثر من أسبوعين، فاطلبي المساعدة من متخصص. إن الاهتمام بصحتك العقلية لا يقل أهمية عن تعافيك البدني.
فكر في ممارسات اليقظة الذهنية، أو التأمل، أو اليوجا اللطيفة للمساعدة في إدارة التوتر وتعزيز الاسترخاء.
النوم والراحة
أعطي النوم والراحة الأولوية قدر الإمكان، حتى وإن كان ذلك قد يشكل تحديًا مع المولود الجديد. فقلة النوم قد تعيق التعافي وتؤثر على مزاجك. خذي قيلولة عندما ينام الطفل، ولا تترددي في طلب المساعدة في الرضاعة الليلية.
إن إنشاء روتين مريح وقت النوم قد يؤدي أيضًا إلى تحسين جودة النوم.
العودة إلى أنشطة محددة
يختلف الجدول الزمني للعودة إلى أنشطة معينة حسب حالة تعافيك الفردية ونوع النشاط. على سبيل المثال:
- الجري: عادةً، يكون من الآمن البدء في الجري مرة أخرى بعد مرور ما بين 3 إلى 6 أشهر من الولادة، بعد تحسن قوة قاع الحوض.
- السباحة: يمكنك عادةً العودة إلى السباحة بعد توقف أي نزيف بعد الولادة وبعد أن يسمح لك طبيبك بذلك.
- اليوجا والبيلاتس: يمكن البدء في إصدارات معدلة من هذه الأنشطة في وقت مبكر، مع التركيز على مشاركة الجذع اللطيف وتقوية قاع الحوض.
استشر طبيبك أو أخصائي العلاج الطبيعي دائمًا قبل استئناف أي أنشطة شاقة أو عالية التأثير.
تمارين ما بعد الولادة: ماراثون وليس سباقًا قصيرًا
إن العودة إلى ممارسة التمارين الرياضية بعد الولادة عملية تدريجية. فلا داعي للتسرع. فمن خلال الاستماع إلى جسدك، وإعطاء الأولوية لصحتك، والسعي للحصول على إرشادات مهنية، يمكنك استعادة لياقتك البدنية بأمان وفعالية والاستمتاع بمتع الأمومة.
تذكري أن رحلة كل امرأة بعد الولادة فريدة من نوعها. كوني لطيفة مع نفسك، واحتفلي بتقدمك، واستمتعي بعملية إعادة اكتشاف قوتك وحيويتك.